ما هو التضخم المالي؟
تعاني الكثير من الدول في عصرنا الحالي من مشكلة التضخم المالي حيث بدأ يفتك بإقتصادات الدول الكبرى كالإتحاد الأوروبي وأميركا وكندا واستراليا حيث الى مستويات قياسية لم يصلها منذ عقود.
ولكن ما هو مفهوم التضخم المالي؟ وما هي أنواعه؟ وما هي اثاره السلبية؟ وما هي طرق مكافحته؟
كل ذلك سنقدّمه لكم أعزَّائنا المتابعين في هذا المقال؛ لذا تابعوا معنا في السطور القليلة القادمة.
بداية ما هو مفهوم التضخم المالي؟
يُعرّف التضخم المالي بأنه مصطلح اقتصادي يُقصد به ارتفاع المستوى العام لأسعار السلع والخدمات الأمر الذي يؤدي الى انخفاض القدرة الشرائية لعملة البلد.
فمثلا قبل ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة كان بإمكان المواطن الاميركي شراء جالون البنزين ب 1.9$ اما اليوم فهو بحاجة الى 5.5$ لشراء ذات الجالون.
وقد تعددت تعريفات التضخم المالي ومن أبرزها تعريف الاقتصادي الشهير (كينز) الذي قال عنه (“هو ذلك الذي يؤدي إلى ارتفاع نفقات الإنتاج والأسعار دون أن تصحبه زيادة في حجم الإنتاج) ووفقاً لـ”هانسون” يُعرَف التضخم المالي بأنّه: “يحدث التضخم عندما يتقدم حجم القوة الشرائية باستمرار على انتاج السلع والخدمات”.
وقد عرَّف “جون ماينارد كينز” التضخم المالي كما الآتي: “التضخم هو نتيجة زيادة الطلب الكلي على العرض الكلّي المتاح”.
اذاً وكما هو موضح بالتفصيل فإن التضخم يعني تقدّم حجم القوّة الشرائية باستمرار على انتاج السلع والخدمات ممّا يؤدي الى ارتفاع الأسعار وفقدان العملة الوطنية لقيمتها.
كما أن آثار التضخم قاسية جدا على أي بلد يمسّ به وقد وصفه الرئيس “ريغان” بعبارة توضّح مدى خطورة التضخم على البلاد التي يفتك بها حيث يقول ويغان: “التضخم عنيف مثل المجرم، ومخيف مثل لصٍّ مسلح، ومميت مثل رجل قاتل”.
أنواع التضخم المالي
- التضخم المالي في وقت حدوثه
- التضخم المالي في وقت السّلم: ويُقصد به ارتفاع الأسعار في وقت السلم أي عندما لا تعاني البلاد من أي حروب أو كوارث طبيعية، ويحدث هذا النوع من التضخم بسبب الانفاق الكبير على المشاريع الرأسمالية لفترة طويلة من الزمن أو بسبب الانفاق الحكومي الضخم داخل البلاد (كالولايات المتحدة الاميركية التي بدأت وقت انتشار كوفيد-19 بتخصيص مبالغ ضخمة لكل الأسر العاطلة عن العمل ما أدى إلى ارتفاع مستوى التضخم ليتجاوز مستويات ال 4%.
- التضخم المالي أثناء فترة الحرب: يحدث نتيجة منح الحكومة الأولوية لانتاج المعدات والسلع العسكرية وتحويل جميع الموارد الانتاجية لتحقيق ذلك، الأمر الذي يؤدي الى نقص المواد الخام اللازمة لانتاج السلع الأساسية مما يؤدي الى تباطىء الانتاج وبالتالي عدم القدرة على تلبية الطلب المتزايد من قبل السكّان، مما يؤدي الى استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق، الأمر الذي يؤدي الى حدوث التضخم المالي في فترة الحرب.
- التضخم المالي بعد فترة الحرب: يحدث هذا النوع من التضخم بعد انتهاء الحرب بفترة قصيرة ويأتي نتيجة ارتفاع الطلب الكبير من قبل الحكومة على كافة انواع السلع والخدمات وذلك بهدف إعادة الإعمار وعودة ازدهار الاقتصاد مما يؤدي الى ارتفاع الأسعار بشكل متزايد ومتسارع وبشكل أكبر بكثير من فترة الحرب.
- التضخم على أساس معدّل التضخم
- التضخم الجاري: يحدث هذا النوع من التضخم عندما يرتفع معدّل التضخم بنسبة تتراوح بين 10% الى 20% سنويّاً.
- التضخم المتسارع: يحدث هذا النوع من التضخم عندما يرتفع مستوى التضخم بنسبة تتراوح بين 20% الى 1000% سنويّا.
- التضخم المفرط: وهو من أخطر انواع التضخم المالي ويحدث عندما يفوق مستوى التضخم نسبة ال 1000% سنويّاً.
- التضخم المعتدل: يحدث التضخّم المعتدل عندما ترتفع الأسعار بنسبة تقل عن 10% سنويّاً والجدير بالذكر بأن التضخم المعتدل لا يعد مشكلة إقتصادية خطيرة.
- 3.التضخّم على التغطية
- التضخم الشامل: ويطلق عليه اسم (التضخم الاقتصادي الواسع) ويحدث هذا النوع من التضخم عندما ترتفع الاسعار في كل مناطق البلاد.
- التضخم المتقطع: يحدث هذا النوع من التضخم عندما ترتفع الأسعار في مناطق محددة من البلاد) بسبب حصار هذه المنطقة من قبل الدولة او بسبب الظروف المناخية في أحد مناطق البلاد).
- التضخم بحسب السبب الذي أدى إليه
- تضخم الأرباح: يحصل هذا النوع من التضخم بسبب جشع التجار الذين يتهافتون الى زيادة هوامش ربحهم مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
- التضخم الضريبي: يحدث هذا النوع من التضخم نتيجة رفع البائعين لأسعار السلع على المستهلكين وذلك بسبب ارتفاع الضرائب الغير مباشرة.
- تضخم الأجور: يحدث هذا النوع من التضخم نتيجة عدم التوافق بين ارتفاع الأجور ونسبة زيادة الانتاج.
- التضخم السكاني: يحدث نتيجة الارتفاع الكبير في أعداد السكان بطريقة لا يلبيها الانتاج المتاح فترتفع الأسعار.
- تضخم الندرة: وهو التضخم الناتج عن احتكار التجار للسلع فيلجأون إلى إخفائها بهدف انتظار ارتفاع الاسعار وبيعها بأسعار أعلى بهدف تحقيق أرباح خيالية (وهذا السيناريو قد حصل مؤخراً في لبنان وسوريا وفنزويلا).
- التضخم المالي: يحدث نتيجة الانفاق الحكومي الكبير حتى ان بعض الحكومات تلجأ الى طبع النقود بهدف الانفاق وهذا يسمى بالتضخم المالي.
طرق مكافحة التضخم المالي
- رفع نسبة الفائدة في البنك المركزي
اذ أن رفع الفائدة سيدفع الكثير من المواطنين من المستثمرين وغير المستثمرين لإيداع أموالهم في البنوك طمعاً بأرقام الفائدة المرتفعة، وهذا الأمر سيؤدي الى خفض المعروض النقدي في الأسواق فضلاً عن ذلك فإن رفع معدلات الفائدة سيمنع الكثير من الشركات والأفراد من الاقتراض وسيدفع الكثير من المواطنين نحو خيار الادخار خوفا من الاقتراض بفوائدة عالية وبالتالي تقلّ حركة البيع في الأسواق مما يؤدي الى انخفاض الأسعار والتقليل من مشكلة التضخم المالي.
- رفع احتياطات البنوك
تقوم الحكومات والدول برفع احتياطيات بنوكها وذلك بهدف منع الأفراد والشركات من زيادة نسبة الاقتراض من البنوك,وهذا سينتج عنه عدم تمكن المواطنين من الانفاق بالمستوى نفسه الذي اعتادوا عليه مما يؤدي الى تراجع الطلب وتخفيض المعروض النقدي في الاسواق وبالتالي تراجع معدلات التضخم المالي.
- أن تُطالب الحكومة بديونها المستحقة من الشركات والأفراد
وبهذه الطريقة ستصبح الأموال المتداولة في أيدي المستثمرين تحت سيطرة الحكومة وبالتالي تصبح الدولة هي المتحكم الوحيد بمصير هذه الاموال.
- زيادة حجم الضرائب
أثناء ازمة التضخم المالي يجب على الدولة رفع الضرائب المباشرة لأنها تنقص من مدخول الأغنياءوالابتعاد عن الضرائب الغير مباشرة لأنها تطال الفقراء وذوي الدخل المحدود.
إن استخدام الضرائب المباشرة سوف تقلل من تزايد الطلب من قبل الأغنياء وسيؤدي ذلك الى تراجع حجم الإنفاق الكلي وبالتالي تراجع الأسعار.
- تخفيض حجم الانفاق الحكومي
والانفاق الحكومي نوعان: الانفاق الجاري والانفاق الاستثماري.
الإنفاق الاستثماري يتوجه للإنتاج أو يشكل دعماً أساسياً لجذب الاستثمارات، لذلك لا يمكن أن يكون سبباً في التضخم، بل على العكس يمكن معالجة التضخم بزيادة الإنفاق الاستثماري لأنه سوف يزيد من عرض السلع والخدمات وهذا يجب أن لا نمس به.
بل يجب التركيز على تخفيض حجم الإنفاق الجاري المتصل بأعمال الصيانة والأجور والنفقات الإدارية، وصيانة السيارات ونفقاتها والمؤتمرات والتمثيل الدبلوماسي وغيرها.
هذا التخفيض سيؤدي الى ضبط الانفاق وبالتالي تخفيض حجم الطلب الكلي مما يهدىْ الأسعار ويدفع التضخم نحو التراجع.
ما هي الاثار السلبية للتضخم؟
- ضعف القوة الشرائية للعملة.
- الاحتكار وتنشيف السوق من السلع: ففي حالة التضخم يلجأ التجار نحو احتكار السلع بانتظار ارتفاع الاسعار لبيعها بأسعار اعلى وتحقيق ارباح خيالية. كما يلجأ الأفراد في حالة التضخم نحو شراء السلع الآن بدلاً من شرائها لاحقًا لأن العملة سوف تفقد قيمتها يومًا بعد يوم.
- ارتفاع تكلفة الاقتراض: فبسبب التضخم سيلجأ البنك المركزي نحو خيار رفع معدلات الفائدة المصرفية وبالتالي رفع تكلفة الاقتراض.
- الركود الاقتصادي: ارتفاع معدلات التضخم الذي يتبعه رفع لمعدلات الفائدة المصرفية سيؤدي الى تراجع الطلب من قبل الكثير من المواطنين وتراجع الطلب هذا سيؤدي الى تراجع مبيعات الشركات وبالتالي تراجع ارباحها مما يعني صرف بعض من موظفيها وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاسهم والمؤشرات وهذا كله يسمّى ب (الركود الاقتصادي).
الى اين تلجأ كمستثمر في ظل ارتفاع معدلات التضخم؟
حسناً في ظل ارتفاع معدلات التضخم على المستثمر أن يبحث عن الملاذات الآمنة!
ولكن ما هي ميّزات الملاذات الآمنة؟
- أن تكون قابلة للتحويل بسهولة إلى نقد في أي وقت.
- أن يكون طلبه مضموناً على المدى الطويل.
- ألا يتجاوز نمو العرض على الطلب على الإطلاق.
- أن يكون جديراً بالثقة.
- ألا تتدهور قيمته بمرور الوقت.
أفضل ملاذات امنة تتوفر بها الميزات الخمسة حاليا هي:
- المعادن حيث أثبتت التجارب أنها الأصول الأكثر أماناً في التاريخ وخصوصاً الذهب الفضة والبلاديوم.
- الأسهم الدفاعية وهي تلك الشركات المدرجة في قطاع السلع الأساسية كالخدمات العامة، والأغذية، وقطاع الطاقة وقطاع الادوية, والمشروبات، وما إلى ذلك حيث انها تعتبر أصول آمنة لأن الطلب على السلع والخدمات يبقى مستقراً بشكل عام حتى خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي.
انعكاسات ارتفاع معدلات التضخم المالي في الولايات المتحدة الأميركية على الفوركس والأسهم
عند ارتفاع معدلات التضخم في امريكا, سيتوجه الفيدرالي الاميركي هنا نحو خيار رفع معدلات الفائدة المصرفية وذلك بهدف كبح جماح التضخم وهذا سيؤدي حتماً الى ارتفاع الطلب على الدولارالأميركي .
فعند رفع سعر الفائدة تزيد التدفقات النقدية داخل الاقتصاد فيزيد الطلب على العملة و يرتفع سعر صرفها أمام كافة العملات العالمية وخصوصا اليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني والفرنك السويسري.
أما بالنسبة لاسواق الاسهم والمؤشرات فستشهد انخفاضاً كبيراً فارتفاع نسبة الفائدة سيؤدي إلى تقليص حجم الاستثمار وتراجع الاستهلاك من قبل المواطنين مما يعني تراجع مبيعات الشركات وبالتالي تراجع أرباحها مما يعني الهبوط في قيمة أسهمها.
وبذلك أعزَّاءنا القرَّاء نكون قد قدَّمنا لكم مفهوم التضخم المالي وأنواعه وطرق مكافحته وأهم اثاره السلبية وأفضل الملاذات الامنة في حال حدوثه وانعكاساته على أسواق الفوركس والأسهم.